بقلم: علاء خليل
بين الخذلان وتحديات الواقع، يسعى الفلسطيني السوري لإثبات ذاته كشريكٍ لا تابعٍ في سوريا الجديدة.
من بين ركام الحرب، وتحت رماد النكبات، ينهض الفلسطيني السوري اليوم مجددًا، مثقلًا بذاكرة الجوع والحصار والخيانة، ويقف على أعتاب استحقاقٍ وطنيٍّ وتاريخي، في سوريا ما بعد نظام الأسد. سوريا التي يُفترض أن تُعاد صياغتها على أسس الحرية، والعدالة، والمواطنة الكاملة لكل من عاش على أرضها وتقاسم مع أبنائها الألم والأمل.
منذ اندلاع الثورة السورية، كان الثمن الذي دفعه فلسطينيو سوريا مضاعفًا؛ فقد قُتلوا واعتُقلوا وجُوّعوا، وتعرضت مخيماتهم للتنكيل والحصار. ولم يكن الجلاد دومًا غريبًا، بل شاركته فصائل فلسطينية ادّعت تمثيلهم، بينما تحوّلت إلى أدوات أمنية بيد نظامٍ دمويّ، ساهمت في حصار مخيم اليرموك، وارتكبت جرائم بحق الفلسطينيين والسوريين على حد سواء، دون محاسبة أو اعتذار.
ووفق تقارير “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا”، سقط مئات المدنيين في اليرموك وحده، بينهم أطفال قضوا جوعًا أو تحت القصف، في مشاهد لا تزال عالقة في الذاكرة الجماعية.
واليوم، مع تَشكل ملامح سوريا بعد انتصار الثورة، لم يعتبر الفلسطيني السوري نفسه يومًا ضيفًا أو حالة طارئة. هو جزء أصيل من هذا النسيج، شارك في الثورة، واعتُقل، وارتقى شهيدًا، ونزف دمًا على أرضٍ عاش فيها أكثر من سبعين عامًا. وإن كانت تلك الفصائل قد أسقطت عن نفسها أي شرعية بمواقفها المتخاذلة، فإن المرحلة الراهنة تفرض البحث عن قيادة حقيقية، تولد من رحم المخيمات لا من الفنادق، تمثّل الناس لا التنظيمات، وتدافع عن الحقوق لا تساوم عليها.
وفي هذا السياق، يبرز القانون 260 لعام 1956 كمرتكز قانوني لا يجوز القفز عنه. فقد نظّم هذا القانون الوجود الفلسطيني في سوريا، ومنحهم حقوقًا تُقارب حقوق المواطن السوري، دون أن ينتقص من خصوصيتهم الوطنية أو حقهم في العودة. لقد أنصف هذا القانون الفلسطينيين في العمل والتعليم والتنقل والتملك، ومن غير المقبول أن يُعاد تأويله أو الالتفاف عليه، كما حاول النظام البائد أن يفعل.
ومن غير المقبول كذلك أن تُطمس الجرائم التي ارتكبتها فصائل فلسطينية متورطة في الدم السوري والفلسطيني. فالتاريخ لا يُكتب ببيانات الإنكار، بل بدموع الضحايا وحقائق الأرض. وأي محاولة لإعادة تدوير هذه الفصائل كممثلين شرعيين لفلسطينيي سوريا، هو استخفاف بالعدالة وعبث بالذاكرة الجمعية.
وكما كان لفلسطينيي سوريا دور فاعل في معركة التحرر، فإن من حقهم وواجبهم أن يكونوا شركاء في معركة البناء، في رسم ملامح سوريا الغد، دون تخلٍّ عن حق العودة، ودون تبعية لأي أجندة خارجية. فكرامة الفلسطيني جزء لا يتجزأ من كرامة السوري، ولا يمكن الفصل بين النضالين.
إن فلسطينيو سوريا لا يحتاجون إلى وصاية ولا إلى خطاب رثٍّ يُستثمر في المؤتمرات، بل إلى شراكة حقيقية، وقيادة منتخبة من عمق المخيمات، تعبّر عنهم بصدق، وتُعيد إليهم ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على صناعة مستقبل أفضل. قيادة ترتكز إلى نبض الناس، لا إلى تعليمات المكاتب السياسية.
لقد آن الأوان لأن نكون شركاء في الوطن، لا أتباعًا، مواطنين حقيقيين لا عابرين في الخريطة. فكما صمدت المخيمات أمام الجوع والنار، ستصمد أيضًا أمام محاولات الإقصاء والتهميش، لتُثبت من جديد حضورها في مشهد سوريا الجديدة؛ سوريا الحرية والكرامة والعدالة.
ولتكن هذه اللحظة بداية لحوار فلسطيني حقيقي، ينبثق من داخل سوريا، ويعيد بناء المرجعية الوطنية لفلسطينيي الشتات، من الألم، ومن الأمل.
مصدر المقال: مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية